البهلولية
والمواقف البطولية
مراكش
: مصطفى منيغ
لن تكون السياسة
بديل الحق العمومي قي تدبير شؤونه مهما كان المجال ، ولن تصل لإقناع الأغلبية أن
للأقلية تحالف مع أي حل وفي الحال ، ولن تصل مهما ابتكرت من وسائل فكرية لما
يبقيها متحدية من أجل ذلك المُحال ، ولن تكون مستقلة لا يمتطيها كما يريد حاكم لا
يسمع عنه ما يُقال ، ولا أن تصبح بمفردها السيدة المطاعة على نفس المنوال ، الذي
ساق جبابرة تمسكوا بها فطالهم الزوال ، فغدوا تاريخاً لا عنوان له سوى ما يعرضهم
لسخرية المسنين قبل الأطفال . السياسة أكذوبة حينما اتَّخَذها البعض مَكسباً للارتزاق
العَلني بالضَّحك البيِّن على الكائن المُقيم الراسخ قبل المتحرِّك الجوّال ، بل سلعة مصيرها
البَوار قبل الركود خاسرة آجلاً أو عاجلاً كلّ إقبال ، بنظريَّة جديدة مستوحاة من
حقوق الإنسان في تعمير الأرض بما هو أصْدق
من الصِّدق وأطْيب من الطيب وأَلْيَن من اللين وأشدّ من شدَّة الشَّديد الفارز
العيش الرغيد وراحة البال ، أينما استقرَّ بها الفرد كانت العدالة مرحبة به
والإنصاف محتضنه وكلّ عوامل الراحة النفسية تحوم حوله بغير مُقابل ، نظرية
"الدولة للجميع تشتري ولا تبيع" متوفِّرة على الأصل مكتفية الذات بالبوادل
.
لمزيدٍ من فهم القصد
، هناك عينات ناطقات بما أوصلت بعض سياسات رسمية البلد والعباد ، لوضعيات يفرّ من
هولها بل مصائبها ، الأكثر تجلداً والأطول صبراً والأقدر على تسخير العقل باختيار
الانسجام مع الموجود ، أو التوجُّه
لاختراق الحدود ، معانقاً مخاطر المجهول .
متى كانت السياسة
السلطوية عماد حلول جذرية ، إن لم تكن بألوان زاهية قابلة للذوبان في جُدارٍيَة ،
أو أي وَهْمٍ مَحْرُوز داخل خابِيَة مزخرفة بمذهب الأبيقُورِيَة ، مَن رآها مِن بعيد ظنَّها منزوعة من عمق تاريخ
رابِيَة ، تَعَامَلَ أهلها القُدامى بالقِطَعِ الذَّهبية المنقوشة بالأشورٍيَّة ،
مَن استولَى عليها فازَ بكلِّ مفاتن الحياة الدنيوية و في بطنه أنغام أزيرية ،
وهكذا التعلُّق حاصل مع ضياء تحجبه كثل كثيفة ضبابية صفة البحث عنه إجبارية ، مع صفاء جو العلياء تبرز نجوم كعرائس سابحات
في فضاء الحقيقة كما ألفتها (باستثناء قِلَّة) الأكثرية ، يخاطبن بشعاعهن
المبهورين بمثل السياسة التي عليهم بإعادة التربية لمبادئ أفكارهم الأولية
الإدارية ، الفارضة بعض التوجهات وكأنها خالة الديمقراطية الأوربية ، وما دون ذلك
من المستحبِّ عدم الأخذ بها كأسبقية ليست في الأصل يمينية بل مستحدثة يسارية ، إذ السياسة المبتكرة لفائدة سرعة التطبيق
الجماهيري تقتضى القبول لغاية إيجاد الحلول انتظاراً لانتهاء العُهْدَةِ
الانتخابية المحسوبة في هذا البلد كثوابت أثرية
، طمعاُ لأصحابها في التجديد بعد الولايات الفائتة التي اعتبروها مجرد تدريب
وبفضل ذات السياسة المختصة في التنمية
العكسية البشرية ، لن يغادروا منها وعنها حتى الخراب الزاحف إليهم متروكاً عن قصد
لتشخيص مسرحية ترميم و إصلاح نفس السياسة بإعطاء المزيد من الحريات ، تصبغ
المنجزات الاجتماعية العظيمة مع تحويل الظاء إلى حرف القاف ، بلون الشفق المخلوط
بالأصفر والوردي والأزرق ، تقرِّب زينة الصور المغشوشة إلى القلوب الهشة في صدور
من يسوقهم صمتهم الدائم على المنكر ، إلى فقدان حاستي السمع والبصر ، للمكوث وسط العوامل الدائرية ، الصِّفر أولها
والتقهقر ثانيها والاستغناء الكلي وليس الجزئي عن البصيرة ، وذاك مُرتَقَب كنهاية
نهائية ، ساخطة من لدن العقلاء على سياسة غير سياسية ، قيمتها وضياع الوقت لسيطرة
السلبي على الايجابي بالتأكيد متساوية .
غير مُلاَحَظ ذاك
الخلل في تطبيق سياسة تُوهِمُ الذي يَحْبُو بالمَشْيِ على مقياس الحال ، بتؤدة دون
حاجة لسرعة انسياب مياه شلال ، حتى لا يثير بجَلَبَةٍ أو هدير مراقبي مَجال ،
محسوب منذ أعوام ليست بالكثيرة على استقلال المغرب كمِلْكِيَةٍ خاصة لبعض نِسْوَة
في الشمال دون رجال ، تعبهن اليومي ملخَّص في سَنِّ الأوامر قبل الخوض في أغرب
تِجوال ، لتفقُّد مَن كبر مِن العيال ، يتم إلحاقهم كأحدث عمال ، لن يُطالبوا بحقوقهم مكتفين بما
يُصوِّرونه في الخيال ، عن التقرُّبِ مِن صاحبات الرَّقص فوق أكوام العنب لاستخراج
العصير الأسمر (كبعض الإسبانيات في ضيعات الأثرياء) أثناء الزوال ، وليلاً على ضوء
القمر ينتظرن في خطوات لمدخل مدينة "سبتة"
مَن يستضيفهنّ بما وَفَّره لسنين من مال ، يزددن به نفوراً من الحلال ، مقتربات بوفرته ممّا جعلتهن في البال ، ذات يوم
تقرِّرن فيه الاعتزال قبل الانعزال .
إنها صورة مُصَغّرة
جداً من عصر المخدرات المزدهر بازدهار سياسة "أتْرُك مَن بَسَطَ يده في
العطاء" ، دون البحث ممَّن جاء ، مادام يُنسِي الناس التَّزاحم على أبواب
الإدارات الحكومية طالبين الدَّعم الفوري قبل استفحال المآل ، فحَصَلَ رعاع الأمس
على الأموال الطائلة بالهَبَل ، يُسْتَقبلون من طرف عامل الإقليم (محافظ المحافظة)
كالأبطال ، بما يليق سعة جيوبهم ليعودوا من نخبة أعيان البلاد بما يخصِّصونه من صدقات على بعض الجمعيات
الرياضية واحتشاماً الإنفاق على بعض دور العجزة
ضاربين لذلك الدف والمزمار لإخفاء ثُقب الغربال ، بواسطة سماسرة من نوع خاص
مكاتبهم متنقلة بين كراسي المقاهي في مدن "تطوان" أو "شَفْشَاوِنْ"
أو "القصر الكبير" أو "وَزَّان" كمرحلة أولى تلتها الثانية
أسوأ وألعن وصلت من سفوح المدن إلى قمم الجبال.
... عادت البهلولية
من لندن ، بعد حضورها اجتماعا شديد الحساسية
، وعر الاقتحام ، سامي رُتَبِ المقام ، هَابِطَ الأصل ، ناكر القيم
الإنسانية النبيلة ، المُقَرَّر فيه مِن إجراءات لا تُبقِي أملاً لتراجع إسرائيل
عمَّا بدأته لتوَسُّعها في احتلال فلسطين ، دولة عربية مشرقية واحدة شاركت مشاركة
فعَّالة عزّزت بها الحصول على أوثق ضمانات تحص نظام حكمها وما قد تتوصَّل اليه من
مساعدات خلال أوقات حرجة قادمة ، بقلقها وصداعها وما قد تخلِّف من تدمُّر بالغ
الخطورة داخل بعض الأوساط الوازنة في العالمين الإسلامي والعربي المرتبطين لحد ما
بالقضية الفلسطينية ومصيرها البعيد المدى قبل القصير . كان الاجتماع بمثابة مؤتمر
مُصغَّر لأجهزةٍ مخابراتية لكل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية
وفرنسا ، وتلك الدولة العربية المشرقية كما سبق الذكر . طبعاً إسرائيل كانت صاحبة
الحدث المسيطرة على جدول أعماله ، الواضعة كل الدراسات المهيأة من طرف كبار
خبرائها في الميدانين العسكري والاقتصادي ، هدفها كان الحصول على المزيد من الدعم
المالي المصاحب لحصولها على عتاد حربي
مصنَّع مؤخراً يُستعمل بقدرات تدميرية رهيبة تمكِّن مِن إنجاح عمليات
الهجوم ، وقبل ذلك التأييد لتنفيذ خطة
تمتد لسنوات طوال ، تضرب فيها كل العصافير المسبِّبة بزقزقاتها توالد تحركات غير
طبيعية ، قد يؤدي نموها إلى زعزعة الاستقرار المحلِّي لدول في أوربا ، إضافة إلى
أجزاء لا يُستهان بها مِن ولايات أمريكا . وفي الاجتماع بالذات تحوَّل المُكوَّن
عسكرياً إلى واضع إستراتيجية سياسية ، تُواكب عن كثب (بالمراقبة ومواجهة التأثير
وتحويل الاهتمام إلى العكس تماماً) كل
مجريات الصراع الخطير الخلفيات والنتائج ، المنتظر نشوبه بين خصمين ، الأضعف فيهما
مُسانَد من رأي عام دولي طويل عريض ، قادر في الغرب خصوصاً ، على قلب أي نجاحٍ
إسرائيلي إلى اعتداء سافر يعقبه فشل محقَق ، وإسرائيل مهما أظهرت من عدم اكتراث
بالموضوع ، تظل خائفة من ديمقراطية حقيقية ، تحترم في عمق ما تبثه من تصرفات
إنسانية ذات العلاقة الوطيدة بحقوق الإنسان متكاملة كاملة ، أكان عربياً أو غربياً
أصفر البشرة أو غالباً عليها السواد . للأسف الشديد لم يهتم بما طهر على إسرائيل
من تَغيُّرٍ مفاجئ تعزز به ما توصَّل اليه العسكري السياسي من إضفاء خط مستقيم
ينتهي بزرع أمل طفيف في عقول بعض القادة الفلسطينيين المرتبطين مع دول عربية
وأسيوية ، جعلت من حركتهم الميدانية أكثر قابلية للتعريف بنفسها ، بنية إظهار
العضلات وإقناع تلك الدول أنها قادرة على سحق إسرائيل متى شاءت ، وما تتوصل به من
هبات تُصرف على المفيد المانح ولا شك ما جعلت الدولة العبرية تتحدث مطولاً عن
السلام للعيش بعيداً عن التوتر وأشياء أخرى معروفة . المملكة العربية السعودية
فطنت باللعبة الإسرائيلية مبكراً ، وقد حذرت في حينها من تثق فيهم من مسؤولي
فلسطين ، عن مغبة تصديق ادعاءات الصهاينة ، الذين قطعاً يتهيؤون لاستقبال أي أخطاء
مرتكبة من أي حركة فلسطينية ، لتُظهِر حقيقة نجحت لحد ما في إخفائها مدة كافية
حصلت خلالها ما يفوق حاجاتها لحرب ، ما شهدت المنطقة داخل حدود معينة أشرس ولا
أفتك ولا أصعب منها ، تخسر فلسطين فيها الكثير من الأرض والأرواح ، لم تُستَقبل
السعودية بما نصحت به وما كانت تترجاه ليقع ، قائمة بمسؤولياتها ، بل ذهب البعض
بإيعاز من إسرائيل إلى التشكيك في ما قامت وتقوم به ، كدافع يدين تبعيتها لتنفيذ
سياسة أمريكية شرق أوسطية خاضعة لنصرة إسرائيل وليس فلسطين على الإطلاق ، فما كانت
إلاَّ أن تأخَّرت خطوات إلى الوراء .
... البهلولية برهنت
بما أطلعتني عليه أنها صاحبة المواقف البطولية ، تستحق احترام وتقدير التاريخ
حينما يُكتب بأقلام تمكن أصحابها من معرفة الحقيقة عن تضحيات خرافية .
مصطفى منيغ
سفير السلام
العالمي